الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

عم فرج

عمي فرج
أنا من سنين لم أره
لكن شيئاً ظل في قلبي زماناً يذكره
عمي فرج ... رجل بسيط الحال
لم يعرف من الأيام شيئ غير صمت المتعبين
كنا إذا اشتدت رياح الشرك بين يديه نلتمس اليقين
كنا إذا غابت خيوط الشمس عن عينيه
شيئ في جوانحنا يضل و يستكين
كنا إذا حامت على الأيام أسراب
من اليأس الجَسور نراه كنز الحالمين
كم كان يمسك ذقنه البيضاء في ألم
و ينظر في حقول القمح
و الفئران تسكر من دماء الكادحين
عمي فرج ... يوما تقلب فوق ظهر الحزن
أخرج صفحة صفراء إعلانا بطول الأرض
يطلب في "بلاد النفط" بعض العاملين
همس الحزين و قال في ألم :أسافر .. كيف يا الله
أحتمل البعاد عن البنية و البنين؟
لم لا أحج .. فهل أموت و لا أرى خير البرية أجمعين
لم لا أسافر ... كلها أوطاننا
ولأننا في الهم شرق... بيننا نسب و دين
لكنه و طني الذي أدمى فؤادي من سنين
ما عاد يذكرني ... نساني
كل شيء فيك يا مصر الحبيبة سوف ينسى بعد حين
أنا لست أول عاشق نسيته هذي الأرض
كم نسيت ألوف العاشقين
عمي فرج ... قد حان ميعاد الرجوع إلى الوطن
الكل يصرخ فوق أضواء السفينة
كلما اقتربت خيوط الضوء عاودنا الشجن
أهواك يا وطني
فلا الأحزان أنستني هواك و لا الزمن
عمي فرج
وضع القميص عل يديه وصاح: يا أحباب لا تتعجبوا
إني اشم عبير ماء النيل فوق الباخرة
هيا احملوا عيني على كفي
أكاد الآن ألمح كل مئذنة
تطوف على رحاب القاهرة
هيا احملوني كي أرى وجه الوطن
دوت وراء الأفق فرقعة أطاحت بالقلوب المستكينة
الماء يفتح ألف باب و الظلام يدق أرجاء السفينة
غاصت جموع العائدين تناثرت في الليل صيحات حزينة
عمي فرج ... قد قام يصرخ تحت أشلاء السفينة
رجل عجوز في خريف العمر من منكم يعينه
رجل عجوز .. أه يا وطني
امد يدي نحوك ثم يقطعها الظلام
وأظل اصرخ فيك ... انقذنا حرام
و تسابق الموت الجبان
و اسودت الدنيا و قام الموت يروي قصة البسطاء
في زمن التخاذل و التنطع و الهوان
و سحابة الموت الكئيب تلف أرجاء المكان
عمي فرج ... بين الضحايا كان يغمض عينيه
و الموج يحفر قبره بين الشعاب
و على يديه تطل مسبحة ويهمس في عتاب
الآن يا وطني أعود اليك توصد في عيوني كل باب
لم ضقت يا وطني بنا
قد كان حلمي أن يزول الهم عني ... عند بابك
قد كان حلمي أن أرى قبري على أعتابك
الملح كفَّنَني و كان الموج أرحم من عذابك
و رجعت كي أرتاح يوما في رحابك
و بخلت يا و طني بقبر يحويني في ترابك
فبخلت يوما بالسكن
و الآن تبخل بالكفن
ماذا أصابك يا و طن؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق